الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
قوله: (ولمسلم عن ابن عمر مرفوعا: (يطوي الله السموات...) سبق معنى هذا الحديث، وأن المراد بالطي الطي الحقيقي.
قوله: (ثم يقول: أنا الملك). يقول ذلك ثناء على نفسه - سبحانه وتعالى وتنبيها على عظمته الكاملة وعلى ملكه الكامل، وهو السلطان، فهو مالك ذو سلطان، وهذه الجملة كلا جزأيها معرفة، وإذا كان المبتدأ والخبر كلاهما معرفة، فإن ذلك من طرق الحصر، أي: أنا الذي لي الملكية المطلقة والسلطان التام لا ينازعني فيهما أحد.
قوله: (أين الجبارون؟). الاستفهام للتحدي، فيقول: أين الملوك الذين كانوا في الدنيا لهم السلطة والتجبر والتكبر على عباد الله؟ وفي ذلك الوقت يحشرون أمثال الذر يطأهم الناس بأقدامهم.
قوله: (يطوي الأرضين السبع). أشار الله في القرآن إلى أن الأرضين سبع، ولم يرد العدد صريحا في القرآن، قال تعالى:
قوله: (ثم يأخذهن بشماله). كلمة(شمال) اختلف فيها الرواة، فمنهم من أثبتها، ومنهم من أسقطها، وقد حكموا على من أثبتها بالشذوذ، لأنه خالف ثقتين في روايتها عن بن عمر..
ومنهم من قال: إن ناقلها ثقة، ولكنه قالها من تصرف.
وأصل هذه التخطئة هو ما ثبت في (صحيح مسلم): أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
] ، وهذا يقتضي أنه ليس هناك يد يمين ويد شمال.
ولكن إذا كانت لفظة (شمال) محفوظة، فهي عندي لا تنافي(كلتا يديه يمين) لأن المعنى أن اليد الأخرى ليست كيد الشمال بالنسبة للمخلوق ناقصة عن اليد اليمنى، فقال:
قال: (كلتا يديه يمين)، ويؤيده أيضا قوله:
وعلى كل، فإن يديه - سبحانه - اثنتان بلا شك، وكل واحدة غير الأخرى، وإذا وصفنا اليد الأخرى بالشمال، فليس المراد أنها أقل قوة من اليد اليمنى، بل كلتا يديه يمين.
والواجب علينا أن نقول: إن ثبت عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنحن نؤمن بها، ولا منافاة بينها وبين قوله: (كلتا يديه يمين) كما سبق، وإن لم تثبت، فلن نقول بها.
وروي عن ابن عباس؛ قال:
]
***
والذي في ابن جرير(في يد الله)، ففيما ساقه المؤلف لإثبات الكف لله تعالى، إن كان السياق محفوظا وإلا ففيه إثبات اليد. أما الكف فقد ثبت في أحاديث أخرى صحيحة. قوله: (إلا كخردلة). هي حبة نبات صغيرة جدا، يضرب بها المثل في الصغر والقلة، وهذا يدل على عظمته - سبحانه - وأنه - سبحانه - لا يحيط به شيء، والأمر أعظم من هذا التمثيل التقريبي، لأنه تعالى لا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأفهام.
وقال ابن جرير: حدثني يونس، اخبرنا ابن وهب: قال: قال ابن زيد: حدثني أبي؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال: وقال أبو ذر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
]
***
قوله: (قال بن جرير). هو المفسر المشهور رحمه الله، وله تفسير أثرى يعتمد فيه على الآثار، لكن آفته أنه لم يمحص هذه الآثار، وأتى بالصحيح والضعيف وما دون الضعيف موكولا إلى القاري، وربما كان يريد أن يرجح إليه مرة ثانية ويمحصه، ولكنه لم يتيسر ذلك.
قوله:
قوله:
وهذا الحديث يدل على عظمته عز وجل، فيكون مناسبا لتفسير الآية التي جعلها المؤلف ترجمة للباب.
وعن ابن مسعود قال:
* * *
قوله: (وعن ابن مسعود). هذا الحديث موقوف على ابن مسعود، لكنه من الأشياء التي لا مجال للرأي فيها، فيكون له حكم الرفع، لأن ابن مسعود رضى الله عنه لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيلات.
قوله (بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام). وعلى هذا تكون المسافة بين السماء الدنيا والماء أربعة آلاف سنة، وفي حديث آخر: (إن كثف كل سماء خمسمائة عام))، وعلى هذا يكون بين السماء الدنيا والماء سبعة آلاف وخمسمائة، وإن صح الحديث، فمعناه أن علو الله 0 عز وجل - بعيد جدا.
فإن قيل: يرد على هذا ما ذكره المعاصرون اليوم من أن بيننا وبين بعض النجوم والمجرات مسافات عظيمة؟
يقال في الجواب: إنه إذا صحت الأحاديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنا نضرب بما عارضها عرض الحيط، لكن إذا قدر أننا رأينا الشيء بأعيننا، وأدركنا بأبصارنا وحواسنا، ففي هذه الحال يجب أن نسلك أحد الأمرين:
الأول: محاولة الجمع بين النص والواقع إن أمكن الجمع بينهما بأي طريق من طرق الجمع.
الثاني: إن لم يمكن الجمع تبين ضعف الحديث، لأنه لا يمكن للأحاديث الصحيحة أن تخالف شيئا حسيا واقعا أبدا، كما قال شيءخ الإسلام في كتابه (العقل والنقل): (لا يمكن للدليلين القطعيين أن يتعارضا أبدا، لأن تعارضهما يقتضي إما رفع النقيضين أو جمع النقيضين، وهذا مستحيل، فإن ظن التعارض بينهما، فإما أن لا يكون تعارض ويكون الخطأ من الفهم، وأما أن يكون أحدهما ظنيا والآخر قطعيا).
فإذا جاء الأمر الواقع الذي لا إشكال فيه مخالفا لظاهر شيء من الكتاب أو السنة، فإن ظاهر الكتاب يؤول حتى يكون مطابقا للواقع، مثال ذلك قوله تعالى:
والآية الثانية أشد إشكالا من الآية الأولى، لأن الآية الأولى يمكن أن نقول: المراد بالسماء العلو، ولكن الآية الثانية هي المشكلة جدا، والمعلوم بالحس المشاهد أن القمر ليس في السماء نفسها، بل هو في فلك بين السماء والأرض.
والجواب أن يقال: إن كان القرآن يدل على أن القمر مرصع في السماء كما يرصع المسمار في الخشبة دلاله قطعية، فإن قولهم: إننا وصلنا القمر ليس صحيحا، بل وصلوا جرما في الجو ظنوه القمر.
لكن القرآن ليس صريحا في ذلك، وليست دلالته قطعية في أن القمر مرصع في السماء، فآية الفرقان قال الله فيها:
وأما قوله:
قوله: (والله فوق العرش). هذا نص صريح بإثبات علو الله تعالى علوا ذاتيا وعلو الله ينقسم إلى قسمين:
أ - علو الصفة، وهذا لا ينكره أحد ينتسب للإسلام، والمراد به كمال صفات الله، كما قال تعالى:
ب - علو الذات، وهذا أنكره بعض المنتسبين للإسلام فيقولون: كل العلو الوارد المضاف إلى الله المراد به علو الصفة، فيقولون في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (والله فوق العرش)، أي: في القوة والسيطرة والسلطان وليس فوقه بذاته.
ولا شك أن هذا تحريف في النصوص وتعطيل الصفات.
والذين أنكروا علو الله بذاته انقسموا إلى قسمين:
أ - من قال: إن الله بذاته في كل مكان، وهذا لاشك ضلال مقتض للكفر.
ب - من قال: إنه لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا متصل بالخلق ولا منفصل عن الخلق، وهذا إنكار محض لوجود الله والعياذ بالله، ولهذا قال بعض العلماء: لو قيل لنا صفوا العدم، ما وجدنا أبلغ من هذا الوصف.
ففروا من شيء دلت عليه النصوص والعقول والفطر إلى شيء تنكره النصوص والعقول والفطر.
قوله: (لا يحفى عليه شيء من أعمالكم). يشمل أعمال القلوب وأعمال الجوارح المرئي منه والمسموع، وذلك لعموم علم وسعته، وإنما أتى بذلك بعد ذكر علوه ليبين أن علوه لا يمنع علمه بأعمالنا، وهو إشارة واضحة إلى علو ذاته تبارك وتعالى.
وعن العباس بن عند المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
* * *
قوله: (العباس). يقال العباس، وعباس، و(أل) هنا لا تفيد التعريف، لأن عباس معرفة لكونه علما، لكنها للمح الأصل، كما يقال: الفضل لفضله، والعباس لعبوسه على الأعداء، قال ابن مالك:
وقوله: (هل تدرون). (هل): استفهامية يراد بها أمران:
أ - التشويق لما سيذكر.
ب - التنبيه إلى ما سيلقيه عليهم، وهذا قوله تعالى:
وقوله تعالى:
وقوله:
وقوله:
واختلاف هذه المعاني بحسب القرائن والسياق، وإلا فالأصل في الاستفهام أنه طلب العلم بالشيء.
خمسمائة سنة، وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة، وبين السماء السابعة
قوله: (كم). استفهامية.
قوله: (قلنا: الله ورسوله أعلم). جاء بالعطف بالواو، لأن علم الرسول من علم الله، فهو الذي يعلمه بما لا يدركه البشر.
وكذلك في المسائل الشرعية يقال: الله ورسوله أعلم، لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلم الخلق بشرع الله، وما قاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الشرع فهو كقول الله وليس هذا كقوله:
] ، لأن هذا في باب القدر والمشيءئة، ولا يمكن أن يجعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشاركا في ذلك، بل يقال: ما شاء الله، ثم يعطف بـ (ثم) والضابط في ذلك أن الأمور الشرعية يصح فيها العطف بالواو، وأما الكونية، فلا.
ومن هنا نعرف خطأ وجهل من يكتب على بعض الأعمال:
قوله: (وبين السماء السابعة والعرش بحرا بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض) وذلك خمسمائة سنة.
قوله: (والله تعالى فوق ذلك). هذا دليل على العلو العظيم لله عز وجل - وأنه- سبحانه - فوق كل شيء ولا يحيط به شيء من مخلوقاته، لا السموات ولا غيرها، وعليه، فأنه - سبحانه - لا يوصف بأنه في جهة تحيط به، لأن ما فوق السموات والعرش عدم، ليس هناك شيء حتى يقال: لأن الله أحاط به شيء من مخلوقاته.
ولهذا جاء في بعض كتب أهل الكلام يقولون: لا يجوز أن يوصف الله بأنه في جهة مطلقا، وينكرون العلو ظنا منهم في إثبات الجهة يستلزم الحصر.
وليس كذلك، لأننا نعلم أن ما فوق العرش عدم لا مخلوقات فيه، ما ثم إلا الله، ولا يحيط به شيء من مخلوقاته أبدا.
فالجهة إثباتها لله فيه تفصيل، أما إطلاق لفظها نفيا وإثباتا فلا نقول به، لأنه لم يرد أن الله في جهة، ولا أنه ليس في جهة، لكن نفصل، فنقول: إن الله في جهة العلو، لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال للجارية: (أين الله؟) وأين يستفهم بها عن المكان، فقالت في السماء.
فأثبت ذلك، وأقرها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال:
].
وأهل التحريف يقولون: (أين) بمعنى (من)، أي: من الله؟ قالت في السماء، أي: هو من في السماء، وينكرون العلو.
وقد رد عليهم ابن القيم رحمه الله في كتبه ومنها (النونية)، وقال لهم: اللغة العربية لا تأتي فيها (أين) بمعنى (من)، وفرق بين (أين) و(من).
فالجهة لله ليست جهة سفل، وذلك لوجوب العلو له فطرة وعقلا وسمعا، وليست جهة علو تحيط به، لأنه تعالى وسع كرسيه السموات والأرض، وهو موضع قدميه، فكيف يحيط به تعال شيء من مخلوقاته؟!
فهو في جهة علو لا تحيط به، و لا يمكن أن يقال: إن شيئا يحيط به، لأننا نقول: إن ما فوق العرش عدم ليس ثم إلا الله - سبحانه - ولهذا قال: (والله تعالى فوق ذلك).
قوله: (وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم). وقوله: (أعمال) إن قرنت بالأقوال صار المراد بها: أعمال الجوارح، والأقوال للسان، وإن أفردت شملت أعمال الجوارح وأقوال اللسان وأعمال القلوب، وهي هنا مفردة، فتشمل كل ما يتعلق باللسان والقلب والجوارح، بل أبلغ من ذلك أنه لا يخفي عليه شيئا من أعمال بني آدم في المستقبل، فهو يعلم ما ]يكون فضلا عما كان، قال تعالى:
والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صدر هذا الأمر بهل الدالة على التشويق والتنبيه من أجل أن يثبت عقيدة عظيمة، وهو أنه تعالى فوق كل شيء بذاته، وأنه محيط بكل شيء علما، لقوله:
وفي الحديث صفتان لله: ثبوتية، وهي العلو المستفاد من قوله: (والله فوق ذلك).
وسلبية المستفادة من قوله:
فإذا نفى الله عن نفسه شيئا من الصفات، فالمراد انتفاء تلك الصفة عنه لكمال ضدها، كما قال تعالى:
وليس في صفات الله نفي محض، لأن النفي المحض عدم لا ثناء فيه ولا كمال، بل هو لا شيء، ولأن النفي أحيانا يرد لكون المحل غير قابل له، مثل قولك: الجدار لا يظلم.
وقد يكون نفي الذم ذما، كما في قول:
فنفي الغدر عنهم والظلم ليس مدحا، بل ذم ينبي عن عجزهم وضعفهم.
وقال آخر:
كأن ربك لم يخـلق لخـشيءته ** سواهم من جميع الناس إنسانا
فنفي أن يكون يد في الشر، بين أن ذلك لعجزهم عن الانتصار لأنفسهم، وتمنى أن يكون له قوم خير منهم وأقوى.
* * *
|